نادي الفكر المغربي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
نادي الفكر المغربي

الرأي و الرأي الاخر
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 أطفال الشارع وثقافة الخوف

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
sussi_6




المساهمات : 7
تاريخ التسجيل : 04/05/2008

أطفال الشارع وثقافة الخوف Empty
مُساهمةموضوع: أطفال الشارع وثقافة الخوف   أطفال الشارع وثقافة الخوف Emptyالسبت مايو 10, 2008 12:07 pm

أطفال الشارع وثقافة الخوف

إن أطفال الشارع, أو الأطفال المشردين, غالبا ما يعانون من شعور دائم بالخوف وانعدام الأمن. ويعتبر بحثهم عن الأمن من أهم العوالم التي دفعتهم إلى مغادرة أسرهم التي لا توفر لهم هذا الشعور, ولا تضمن لهم الحد الأدنى من الشروط لإشباع حاجياتهم ورغباتهم. وهؤلاء الأطفال, وقد استسلموا إلى فضاء الشارع, يخافون من مطاردة رجال الأمن لهم, أو ملاحقة بعض الكبار الذين يتخوفون من السلوكات المنحرفة لأطفال الشارع (سرقة, تخريب, إثارة الفوضى… الخ), أو من اعتداء بعض المنحرفين من الكبار لا سيما المنحرفين جنسيا. وفي محاولتهم للتغلب على مخاوفهم يلجأ أطفال الشارع إلى ارتكاب أفعال معينة بقصد تخويف الآخرين منهم. فكأنهم, بسلوكهم هذا, يحاولون التخلص من مشاعر الخوف التي يعانون منها بإثارة الخوف لدى الآخرين الذين يحتكون بهم في الشارع.

إن تخويف الآخرين, بالنسبة لطفل الشارع, هو بمثابة خطاب موجه للآخرين للاعتراف به كإنسان لا يختلف عن غيره من البشر, فكأنه يريد أن يقول للآخرين: إذا لم أحظ بحبكم واحترامكم, فلتخافوا مني على الأقل. وهذا ما جعل عالم النفس الفرنسي لاكان يعتبر جنوح الحدث في الشارع بمثابة حوار عنيف مع الآخر يحاول الحدث من خلاله انتزاع الاعتراف به كإنسان(19). وهذا ما يفسر لنا بعض سلوكات أطفال الشارع التي تبدو سلوكات لا مبرر لها وتعكس رغبة مجانية في الاعتداء والتخريب وإثارة الفوضى.

وهذه النزعة التدميرية لدى أطفال الشارع هي انعكاس للقلق الذي يعانون منه بسبب إقصائهم وتهميشهم: إقصاء من طرف أسرهم التي نبذتهم أو تخلت عنهم أو أهملتهم أو تعمدت دفعهم إلى الشارع, وتهميش من طرف المجتمع الذي لا يأبه لوجودهم في الشارع حيث لا يشعرون بالأمن ويتوقعون المطاردة والاعتداء في أية لحظة.

وقد يعبر أطفال الشارع عن نزعتهم التدميرية من خلال المشاجرات التي تقع بينهم والتي قد تؤدي بهم إلى ارتكاب أعمال عنف ضد بعضهم البعض. وكأن نزعة التدمير –في هذه الحالة- تسقط على الذات عندما يحال دون توجيهها نحو الآخرين. وتتخذ المشاجرات طابعا حادا حيث يجدون في المشاجرات فرصة للتعبير عن حالة القلق التي يعيشونها والتنفيس عن شعورهم الدائم بالخوف والضياع.

وتحت تأثير الشعور بالخوف فإن أطفال الشارع لا يستقرون في مكان محدد, ويتنقلون من شارع إلى آخر, ومن حي إلى حي. وغالبا ما لا يكونون من نفس الحي الذي يسكنون فيه, وبالتالي فإن معرفتهم بطبوغرافيا الحي تظل محدودة مما يزيد من شعورهم بالغربة والخوف.

وتسيطر على أطفال الشارع رغبات آنية تتغير حسب الظروف التي يواجهونها والمليئة بالمفاجآت. إنهم يعيشون ببعد واحد هو الحاضر. ونتيجة لذلك فإنهم قلما يشعرون بالندم على أفعال ارتكبوها, أو يميلون إلى أهداف يعتزمون تحقيقها في المستقبل. إنهم عاجزون عن وضع أهداف لحياتهم بسبب تدني, إن لم يكن انعدام, مستوى طموحهم واستسلامهم لواقعهم, وغير قادرين على اللجوء إلى الوسائل المشروعة لتغيير هذا الواقع. لذا فإنهم غالبا ما لا يقدرون مسؤولية ما يرتكبونه من أفعال, ويغلب على سلوكهم طابع المغامرة والميل إلى التحدي الذي يعطيهم الفرصة لتأكيد الذات أمام ما يتعرضون له من إقصاء وتهميش وإحباط.

إن هاجس الخوف الذي يسيطر على أطفال الشارع يشكل العقبة الرئيسية أمام الجهود التي تبذل لإعادة إدماجهم داخل المجتمع. وتحررهم, ولو نسبيا, من هاجس الخوف من الآخرين يعتبر شرطا ضروريا لاستجابتهم لأي برنامج يستهدف إدماجهم وتأهيلهم. وقد يكون خوف أطفال الشارع من الآخرين هو استمرار للخوف الذي انغرس في شخصياتهم داخل أسرهم قبل أن يتجسد هذا الخوف بشكل أكثر وضوحا عندما يلقى بهم إلى الشارع. ففي داخل الأسرة عادة ما يعودون أن يتخوفوا من الآخر, سواء كان هذا الآخر الطبيعة أو الناس. فالطبيعة ينظر إليها على أنها مسكونة بقوى غيبية لا سبيل إلى فهمها فهما منطقيا. ولا يتاح للطفل, عادة, أن يحتك بالطبيعة بكيفية سليمة وعقلانية ليتعرف على ظواهرها بإرجاعها إلى أسبابها الحقيقية والمباشرة. كما يتخوف الطفل من الآخرين باعتبارهم يشكلون مصدر خطر دائم, خاصة إذا تعرض الطفل داخل أسرته إلى سوء المعاملة من طرف والديه أو من ينوب عنهما. وعندما يلقى بالطفل إلى الشارع يأخذ الخوف طابعا مأساويا, إذ عليه أن يتحايل على العيش ليضمن اللقمة التي تسمح له بالاستمرار في الحياة, وفي نفس الوقت عليه أن يتعايش مع خوفه من الآخرين الذين لا ينتظر منهم سوى المطاردة والاعتداء, وفي أحسن الأحوال اللامبالاة والإقصاء.

ونتيجة للوضعية التي يعيشها طفل الشارع, والتي تفرز أحيانا سلوكات لا عقلية (تدمير, تخريب, اعتداء مجاني على الآخرين أو ممتلكاتهم… الخ), فإنهم يبدون كما لو كانوا متخلفين ذهنيا, وغير قادرين على إدراك الجانب اللاعقلاني في سلوكهم. وما يبدونه من "تخلف ذهني" ظاهري غالبا ما يكون انعكاسا لشعورهم بالفراغ لا سيما الفراغ العاطفي. وإذا ما أتيح لهؤلاء الأطفال أن يستعيدوا ثقتهم بأنفسهم ويلمسوا قبول المجتمع لهم من خلال ما يقدم لهم من المساعدة لإخراجهم من عزلتهم, فإننا قد نكتشف أنهم لا يختلفون عن الأطفال العاديين من حيث قدراتهم العقلية وميولهم ورغباتهم. ومما يؤكد ذلك أن هؤلاء الأطفال يظهرون قدرا من الاستعداد للتكيف والاندماج مع المجتمع عندما تعطى لهم فرصة تعلم مهنة والقيام بعمل يدر عليهم بعض الدخل ويتيح لهم إشباع حاجاتهم الأساسية وإشعارهم بأنهم قادرون على الإنتاج والعيش الكريم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أطفال الشارع وثقافة الخوف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
نادي الفكر المغربي :: Forum Tawassol :: الطب و الصحة العامة-
انتقل الى: