نادي الفكر المغربي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
نادي الفكر المغربي

الرأي و الرأي الاخر
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 تطبيق الشريعة د أحمد الريسوني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
treuaman1

treuaman1


المساهمات : 23
تاريخ التسجيل : 15/05/2008

تطبيق الشريعة د أحمد الريسوني Empty
مُساهمةموضوع: تطبيق الشريعة د أحمد الريسوني   تطبيق الشريعة د أحمد الريسوني Emptyالخميس يونيو 05, 2008 10:50 pm

الفكر الإسلامي والقضايا السياسية - الحلقة 14

تطبيق الشريعة بين الدولة والمجتمع

لقد اتضح من خلال الحلقتين الماضيتين ، مدى اتساع الشريعة وامتدادها وتنوع مضامينها ، وأنها ليست بذلك الضيق الذي يتصوره أولئك الذين يرهنون الشريعة بيد القضاة والولاة ، أو بيد المحاكم والحكومات ، فإن هم طبقوها فقد طُبقت وعاشت ، وإن هم نبذوها ، فقد عطلت وماتت!
فالشريعة أكبر شأنا من أي يكون مصيرها ، وتطبيقها وتعطيلها ، بيد حفنة من الحكام والولاة ، وتحت رحمتهم وتقلباتهم.
نعم للشريعة أحكام جنائية ومدنية ، ولكن هذه الأحكام جزء من الشريعة ، وليست كل الشريعة ، وليست رمزا للشريعة.
نعم أيضا ، فإن الله يزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن ، ولكن هذا من قبيل قولهم : يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر، ويوجد في البئر ما لا يوجد في النهر.
فمعنى أن الله يزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن : أن هناك حالات وأصنافا من الناس يجدي معهم السلطان ، أكثر مما يجدي معهم القرآن ، ويخضعون للسلطان أكثر مما يخضعون للقرآن ، كما هو حال بعض العتاة والمنافقين والمتهورين . ولذلك قال العلامة الشنقيطي في تفسيره :" فإن لم تنفع الكتب تعينت الكتائب ، والله تعالى قد يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن."
ولكن وازع الضمير والتقوى والإيمان ، يبقى دائما قبل وازع السلطان ، ويبقى هو الأصل وهو المعول عليه في الدين ؛ إذْ وازع السلطان إنما يحكم بعض الظواهر ، أما وازع الإيمان فيحكم الظواهر والسرائر. وفي الحديث الصحيح : " إِن الله لا ينظر إِلى أجسادكم ، ولا إِلى صُوَرِكم ، ولكن ينظر إِلى قلوبكم وأَعمالكم" . فالدين الحق ، والتطبيق الحق للدين وشريعته ، إنما هو أساسا ما جاء عن إقناع وترغيب ، وطواعية ورضى . وما سوى ذلك ، فهي ضرورات تقدر بقدرها ، وآخر الدواء الكي.
على أن ما يَـزَعُه الله تعالى بواسطة السلطان لا يعني دائما القوة والعقوبة . بل السلطان نفسه ، يجب أن يدفع وينفع بالتي هي أحسن ، قبل أن يفعل ذلك بالتي هي أخشن . فالسلطان إذا كانت له مشروعيته ومصداقيته ، هو نفسه تكون له كلمته المسموعة والمطاعة ، من غير قوة ولا بطش . وفي متناوله من الأساليب التعليمية والتربوية والتوجيهية الشيئ الكثير ، مما يمكنه من أن يخدم الشريعة ويحقق الكثير من أحكامها ومقاصدها ، دون قوانين ولا محاكم ، ودون سلطة ولا شرطة.
وأياً ما كانت أهمية السلطة والدولة في إقامة الدين وتطبيق الشريعة ، فإنها تبقى ـ ويجب أن تبقى ـ دون أهمية الأمة والمجتمع.وذلك لعدة أسباب.
1. أولا ، لأن الدين الذي يطبق بدون ضغط ولا إكراه ، هو الدين الحقيقي المقبول عند الله تعالى . وأما ما سواه ، فإنما هو تنظيم دنيوي وتدبير سلطوي.
2. وثانيا ، لأن ما يطبق برغبة وطواعية ، يكون أجود وأدوم ، بخلاف التطبيق بالقوة والسلطة ، فإنه يكون رديئا سطحيا ، ينحسر وينقلب عند كل فرصة لذلك .
3. وثالثا ، لأن التطبيق الذي يكون بمبادرة ذاتية من الأفراد ، أو بحركية المجتمع نفسه ، يعطي من السمو والارتقاء في وعي المجتمع وفاعليته ، ما لا سبيل إليه بدونه.
وإذا كانت هناك مجالات وأحكام شرعية ، لا بد فيها من الحكام ومؤسساتهم ووسائلهم ، كالقضاء وما يصدر عنه من إكراهات وعقوبات ، فإن للأفراد وللمجتمع إمكانات واسعة للتدخل والإسهام ، حتى في هذه المجالات أيضا .
فإذا كانت إقامة الحدود وغيرها من العقوبات الشرعية ، جزءاً مهما من تطبيق الشريعة تختص به الدولة ، فلا شك أن كل عمل دعوي أو تربوي أو اقتصادي أو اجتماعي ، يحول دون وقوع الجريمة ومعاقبة المجرمين ، هو أيضا من الشريعة ومن تطبيق الشريعة ، بل هو أفضل أشكال تطبيق الشريعة . وهو ما يستطيعه كل الأفراد والهيئات المجتمعية .
ومن أراد أن يتأكد من مساحة الدولة ومساحة الأمة ، في تطبيق الشريعة ، فليقرأ القرآن من أوله إلى آخره ، ولْـيُسجل في مكانين منفصلين :
ـ ما يتوقف على الدولة ولا يتم إلا بها ،
ـ ما لا يتوقف على الدولة ويمكن أن يتم بدونها،
ثم ليحسب ولينظر النتيجة ...
لقد عرف العالم الإسلامي ، عبر تاريخه الطويل ، دولا وحكومات مختلفة في قوتها وضعفها ، واستقامتها وانحرافاتها ، وقربها وبعدها من هدي الشريعة ومقتضياتها، ولم يكن ذلك هو العنصر الحاسم في تطبيق الشريعة ودوامها، أو في رقي الأمة وازدهارها.ولذلك نجد فترات زاهية بالرقي العلمي والحضاري والاجتماعي ، هي في الوقت نفسه فترات ضعف وتفكك في النظام السياسي القائم.
فبجانب الحكام وأجهزتهم وأدوارهم ، كان للقضاء والقضاة دورهم وفاعليتهم . وكذلك كان للعلماء عطاؤهم واجتهادهم وزعامتهم ، وكان للخطباء والوعاظ أدوارهم التعليمية والاجتماعية ...
وكان للطرق الصوفية أدوارها التربوية والاجتماعية ، وأحيانا الجهادية .
وكان المجتمع بكل فئاته ، ملتفا متفاعلا مع هؤلاء جميعا ، يأخذ منهم ويعطيهم ، ينخرط معهم في توجيهاتهم ومشاريعهم ونداءاتهم ، وينخرطون معه في مشاكله ومتطلباته وشكاويه.
وكل هؤلاء كان مصدرهم وملهمهم ، هو الشريعة والعمل بالشريعة.
ولست متغافلا عن السلبيات والانحرافات التي عرفها تاريخنا في مختلف عهوده ، ولكن السياق ـ الآن ـ يقتضيني بيان كيف أن الشريعة لم تكن في يوم من الأيام قضية دولة أو حكومة أو سلطة ، بل كانت دوما قضيةَ أفراد ومجتمع وأمة ، ودولة أيضا .
لقد كان "المجتمع المدني" ـ بتعبير اليوم ـ حياً فاعلا قائما بذاته ، وخصوصا عند تقصير الحكام ، أوعند ضعف قيامهم بواجباتهم.
لقد كان "المجتمع المدني" هو المصدر الأول والـمُـنَـفذ الأول والممول الأول ، للمشاريع والمؤسسات التعليمية بمختلف مستوياتها وتخصصاتها.
وهكذا يقال في مجال الخدمات والمرافق الاجتماعية، والبنيات والتجهيزات التحتية.
وكانت مبادرات بعض الحكام والأمراء ، غالبا ما تأتي ـ إذا أتت ـ لمجاراة المجتمع والانخراط في حركيته ، أو للعمل على الإمساك بها والتحكم فيها.
ومما لا يحتاج إلى إثبات أو بيان : الدور الريادي الكبير للأوقاف ، في كل هذه الحركية والفاعلية ، المجتمعية والسلطانية معا.
ويتشرف المغرب بتجارب حضارية باهرة في هذا المجال ، من أبرزها وأشهرها أعجوبة (القرويين)، التي بدأت مسجدا محدودا في مكان محدود ، قامت ببنائه شابة مؤمنة من عموم الناس، ثم انتهت (جامعة) عالمية كبرى ، أشعتْ منارتها شمالا وجنوبا وشرقا ، على مدى عدة قرون ، إلى أن جاء الاحتلال الفرنسي ، ليطمس نورها وينتقم منها.
هذه (القرويين) ، التي وُلدت في فاس ، تحولت ـ على مر القرون ـ إلى شبكة واسعة من الفروع والمدارس ، تنتشر في سائر مدن المغرب وقراه ، تُسابقها شبكةٌ أوسع من الأحباس المخصصة لخدمتها وتنميتها والإنفاق على جميع احتياجاتها . لقد كنا نسمع ـ إلى عهد قريب ـ أن ( القرويين ) هي أغنى أغنياء المغرب ؟!
ومنذ ظهور (القرويين) في القرن الثالث الهجري ، أصبح من الصعب أن نجد في تاريخ المغرب عالما أو فقيها أو أديبا أو مؤرخا أو فلكيا أو طبيبا أو ملكا أو سياسيا ...، دون أن يكون قد درس في القرويين أو في أحد فروعها .
وإذا كان المصريون يفتخرون بنهر النيل العظيم ، ويقولون " مصر هبة النيل"، فإن على المغاربة ألا يكفوا عن الافتخار بالقرويين ، وأن يعتبروا " المغرب هبة القرويين". ومن أواخر ما وهبته القرويين للمغرب ، هو استقلال المغرب ، الذي انطلقت حركته ، وخرج زعماؤه وأبطاله، منها ومن شبكتها. فكم رد المغرب المستقل وكم وفى؟!
إن جامعة القرويين ، هي علامة بارزة على أهمية العمل الأهلي ، ودوره الكبير في خدمة الشريعة ، وفي تطبيق الشريعة ، ليس في فقط في دُور القضاء ، بل في كل في كل بيت وحي وقرية وفضاء.
ومن الأمثلة المعاصرة على دور المجتمعات وعملها الأهلي ، في تطبيق الشريعة ، تجربة البنوك الإسلامية . فإلى منتصف السبعينيات من القرن الماضي ، لم يكن في عالم البنوك والمعاملات البنكية ، إلا النمط الربوي الغربي . وفي سنة 1975، بدأت التجربة المصرفية الإسلامية من الصفر، وانطلقت وسط تعقيدات قانونية بالغة ، ووسط تحديات التفوق الكاسح للبنوك الربوية المحتكرة للسوق . ومع ذلك ، فإن عدد المؤسسات البنكية الإسلامية ، قد بلغ عام 2006 نحو 300 مصرف ومؤسسة ، موزعة على 60 دولة. وقد بلغ رأسمال هذه الفئة من البنوك نحو 13 مليار دولار، وتتراوح أصولها بين 700 و900 مليار دولار . ويصل نـمو البنوك الإسلامية بنسبة 23 % تقريبا ، بينما تنمو البنوك التقليدية بنسبة 10% تقريبا.
المهم عندي في هذه التجربة ، هو أنها تجربة أهلية بالدرجة الأولى، تضافر فيها ضغط العلماء والدعاة والمفكرين ، مع التجاوب الشعبي ، المتمثل في الامتناع العريض عن الانخراط في المعاملات البنكية الربوية . ثم جاءت المبادرة العملية من بعض المستثمرين الرواد ... وقد تلقت معظم الحكومات في العالم الإسلامي ، وفي العالم العربي بصفة خاصة ، هذه التجربة بالمنع ، أوالتحفظ ، أو التخوف والمعاكسة . ولكن هذه المواقف الآن آخذة في التفهم والتقبل والتسليم ، تحت ضغط الواقع ونجاح التجربة.
ومن التجارب الأهلية ، أو الأهلية الحكومية ، في تطبيق الشريعة في هذا العصر: تجربة الوقف ، وتجربة الزكاة . والوقف الإسلامي هو نفسه جزء من الشريعة ، وأما الزكاة فركن من أركانها . ولكن الأهم هو أن جميع ما ينجم عنهما وعن ثرواتهما، من خدمات ومصالح ومشاريع ، إنما هو من أحكام الشريعة ومن تطبيقاتها.وهناك تجارب معاصرة ممتازة لهما ، في كثير من الأقطار الإسلامية ، وحتى في بعض الدول الغربية .
ما لا ينتهي منه العجب ، هو لماذا بعض الحكام والحكومات ، ما زالوا يرفضون الاستفادة لدولهم وشعوبهم ، من هذه الفرص العظيمة التي لن تكلفهم شيئا؟!
إن الوقف والزكاة ، سيعززان ويُـمدان الخدمات والمرافق الاجتماعية والتعليمية ، بأموال ضخمة متجددة ، تتدفق من إيمان الناس وتجاوبهم مع دينهم وشريعتهم ، قبل أن تتدفق من جيوبهم . وتستطيع أموال الوقف والزكاة ، أن تمول ما لا يحصى من المدارس والجامعات ، ومنَح الطلبة ، ومشاريع البحث العلمي ، ومن تشييد الأحياء السكنية الجامعية ، وتجهيز المكتبات ، وتشغيل الخريجين ...

أ.د أحمد الريسوني,






موقع الريسوني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تطبيق الشريعة د أحمد الريسوني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
نادي الفكر المغربي :: Forum Tawassol :: فكر تنويري-
انتقل الى: