نادي الفكر المغربي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
نادي الفكر المغربي

الرأي و الرأي الاخر
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 المدينة الفاضلة ممكنة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
irmaceed

irmaceed


المساهمات : 3
تاريخ التسجيل : 05/05/2008

المدينة الفاضلة ممكنة Empty
مُساهمةموضوع: المدينة الفاضلة ممكنة   المدينة الفاضلة ممكنة Emptyالخميس مايو 22, 2008 9:54 am

لم يستسلم فيلسوف قرطبة لا لإساءة خصوم الفلسفة ولا للأضرار التي يتسبب فيها المنتسبون إليها، بل اعتبر ذلك مما يحدث بالعرَض، وليس مما يحدث ضرورةً، وبالتالي فتجاوز مثل تلك الوضعية أمر ممكن، بل واجب، ما دام الهدف هو بيان الطريق إلى تشييد المدينة الفاضلة. وكان هذا هو غرض أفلاطون من كتابه "الجمهورية" الذي كان ابن رشد بصدد عمل تلخيص موجز له. ينطلق ابن رشد إذن في "تلخيص" هذا الكتاب فيطرح برنامج التعليم الذي يجب أن يعطى لمن يتم إعداده لرئاسة المدينة الفاضلة. وهنا ينفصل مرة أخرى عن أفلاطون انفصالاً تاماً، لينطلق من التساؤل عن الغاية المتوخاة من تعليم هؤلاء الذين سيصبحون رؤساء للمدينة الفاضلة، ملحاً على ضرورة معرفة الغاية من التعليم قبل البدء في شرح منهاجه ومضامينه. وهنا يتجاوز فيلسوف قرطبة أفلاطون إلى أرسطو، ليؤكد أولاً أن الغاية من المدينة الفاضلة هي تمكين أهلها من بلوغ كمالاتهم الإنسانية، كما حددها أرسطو في كتاب "الأخلاق"، وهي الفضائل النظرية (فضيلة العقل الفلسفي) والفضائل العلمية (العلم وتطبيقاته) والفضائل العملية (الأخلاق والسياسة) والفضائل الخلقية (السلوك الأخلاقي). ثم يدخل في مناقشة طويلة حول أي من هذه الأنواع من الفضائل تخدم الأخرى؟ هل "العلم" في خدمة "العمل" -وتلك وجهة نظر كل من المتصوفة والفقهاء"- أم "العمل" في خدمة "العلم" وهي وجهة نظر الفلاسفة. ثم لمن الأولوية؟ هل هي للعلم (الفلسفة) أم للأخلاق؟ ثم يقرر في النهاية أن الأولوية للعلم، فهو الذي ينير العمل. أما الأخلاق فيجب أن تكون مصاحبة لكل من العلم والعمل.

بعد أن يقرر ابن رشد ذلك خارج الأفق الأفلاطوني يعود إلى أفلاطون وبرنامجه التعليمي، ولكن لينفصل عنه مرة أخرى في موضوع العلم الذي يجب البدء بدراسته (من بين علوم الفلسفة): لقد اختار أفلاطون العلم الذي يخدم اتجاهه الفلسفي، الذي يقوم على الاعتقاد في "المُثل" بوصفها كائنات عقلية مجردة وخالدة وفي كون دور التفلسف هو الإعداد لتأمل هذه المُثل بوصفها هي حقائق الأشياء التي تسعى الفلسفة لبلوغها. ومن هنا ارتأى أفلاطون أن العلم الذي يجب البدء به في دراسة علوم الفلسفة هو ذلك الذي يجعل المتعلم يعتاد على التعامل مع المجردات وهو علم "التعاليم" أي الحساب والهندسة والفلك وعلم الموسيقى، ذلك لأن موضوعات هذه العلوم عامة ومجردة وخاصة علم العدد (الحساب)، لأن العدد يدخل في جميع الأشياء، لأن جميع الأشياء قابلة للعد، دون أن يكون هو شيئاً ملموساً... الخ. يخالف فيلسوف قرطبة أفلاطون في هذا المجال ويرى أن الأنسب هو البدء بالمنطق، لكونه "العلم الذي يعصم العقل من الخطأ" كما قيل في تعريفه. والهدف من الفلسفة كما قرر من قبل هو العلم الذي يؤسس العمل، والفيلسوف رئيس المدينة الفاضلة يحتاج إلى ما يعصم عقله من الخطأ وبالتالي إلى علم صحيح يؤسس العمل الفاضل، وليس إلى تأمل "الحقائق المجردة".

وكما بدأ فيلسوف قرطبة هذه المقالة بالانفصال عن أفلاطون في قضايا منهجية وفلسفية ينتهي إلى إضفاء النسبية على آرائه وإلى مخالفته على مستوى أفق التفكير فيقرر أن المدينة الفاضلة يمكن أن تنشأ على غير الوجه الذي ذكره أفلاطون. وهنا يؤكد كما فعل في وسط المقالة على إمكانية الخروج بالمدينة الفاضلة إلى أرض الواقع، متجهاً بتفكير القارئ إلى معطيات عصره وخصوصية مجتمعه. يقول: "وينبغي أن تعلم أن هذا الذي ذكره أفلاطون هو الوجه الأفضل في نشأتها، ولكن قد تنشأ على غير هذا الوجه. غير أن ذلك يكون في زمن طويل. وذلك بأن يتعاقب على هذه المدن وفي أزمان طويلة، ملوك فضلاء، فلا يزالون يرعون هذه المدن [ويؤثرون فيها] قليلاً قليلاً، إلى أن تبلغ في نهاية الأمر أن تصير على أفضل تدبير. وتحول هذه المدن [نحو أن تصير فاضلة] يكون بشيئين اثنين، أعني بالفِعال والآراء، ويزيد هذا (المدة التي يستغرقها التحول) قليلاً أو كثيراً، تبعاً لما تجري به النواميس القائمة في وقت، [وتبعاً] لقربها من هذه المدينة [الفاضلة] أو بعدها عنها. وبالجملة فتحولها إلى مدينة فاضلة أقرب إلى أن يكون في هذا الزمان بالأعمال الصالحة منه بالآراء الحسنة. وأنت تلمس ذلك في مدننا. وبالجملة فلن يصعب على من كملت لديه أجزاء الفلسفة [واطلع] على طرق تحول المدن أن يرى أنها لن تؤول نحو الأفضل بالآراء [وحدها]. والمدن التي هي فاضلة بأعمالها فقط (دون آرائها) هي تلك التي يطلقون عليها [المدن] الإمامية، وقد قيل إن هذه المدينة، أعني الإمامية، كانت منها مدن الفرس القدامى".

تحول المدينة إلى مدينة فاضلة أقرب إلى أن يكون في هذا الزمان بالأعمال الصالحة منه بالآراء الحسنة. وأنت تلمس ذلك في مدننا.

وعندما طرح أفلاطون مسألة ما إذا كان من الواجب أن تشارك النساء الرجال مهام حفظ المدينة، فيكون منهن جنديات ومُسيِّرات ورئيسات أم أنه من الأفضل جعل مهمتهن مقصورة على الإنجاب وتدبير البيت... الخ، تدخَّل ابن رشد ليبدي رأيه من خلال أربع ملاحظات:

- فمن الناحية المبدئية: قال: "إن النساء من جهة أنهن والرجال نوع واحد في الغاية الإنسانية، فإنهن بالضرورة يشتركن وإياهم فيها [الأفعال الإنسانية] وإن اختلفن عنهم بعض الاختلاف. أعني أن الرجال أكثر كدّاً في الأعمال الإنسانية من النساء. وإن لم يكن من غير الممتنع أن تكون النساء أكثر حذقاً في بعض الأعمال، كما يظن ذلك في فن الموسيقى العملية، ولذلك يقال إن الألحان تبلغ كمالها إذا أنشأها الرجال وعملتها النساء. فإذا كان ذلك كذلك، وكان طبع النساء والرجال طبعاً واحداً في النوع، وكان الطبع الواحد بالنوع إنما يقصد به في المدينة العمل الواحد، فمن البيِّن إذن أن النساء يقمن في هذه المدينة بالأعمال نفسها التي يقوم بها الرجال، إلا أنه بما أنهن أضعف منهم فقد ينبغي أن يكلفن من الأعمال بأقلها مشقة".

- ومن الناحية العملية: "إنا نرى نساء يشاركن الرجال في الصنائع، إلا أنهن في هذا أقل منهم قوة، وإن كان معظم النساء أشد حذقاً من الرجال في بعض الصنائع، كما في صناعة النسج والخياطة وغيرهما. وأما اشتراكهن في صناعة الحرب وغيرها فذلك بيِّن من حال ساكني البراري وأهل الثغور. ومثل هذا ما جُبلت عليه بعض من النساء من الذكاء وحسن الاستعداد، فلا يمتنع أن يكون لذلك بينهن حكيمات أو صاحبات رياسة".

- ومن الناحية الشرعية والمقصود الفقه الإسلامي أساساً، فإنه "لمَّا ظُنَّ أن يكون هذا الصنف نادراً في النساء، منعت بعض الشرائع أن يجعل فيهن الإمامة، أعني الإمامة الكبرى، ولإمكان وجود هذا بينهن أبعدت ذلك بعض الشرائع".

- أما الملاحظة الرابعة فتتعلق بوضعية المرأة في المجتمع العربي، وفي الأندلس بصفة خاصة. يقول: "وإنما زالت كفاية النساء في هذه المدن (مدن زماننا) لأنهن اتخذن للنسل دون غيره وللقيام بأزواجهن، وكذا للإنجاب والرضاعة والتربية، فكان ذلك مبطلاً لأفعالهن [الأخرى]. ولما لم تكن النساء في هذه المدن مهيئات على نحو من الفضائل الإنسانية، كان الغالب عليهن فيها أن يشبهن الأعشاب النوابت. ولكونهن حِمْلاً ثقيلا على الرجال صرن سبباً من أسباب فقر هذه المدن. وبالرغم من أن الأحياء منهن فيها ضعف عدد الرجال، فإنهن لا يقمن بجلائل الأعمال الضرورية، وإنما ينتدبن في الغالب لأقل الأعمال، كما في صناعة الغزل والنسج، عندما تدعو الحاجة إلى الأموال بسبب الإنفاق، وهذا كله بيِّن بنفسه". (140- 144) فعلاً، موقف ابن رشد هنا بيِّن بنفسه، لا يحتاج إلى تعليق.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المدينة الفاضلة ممكنة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
نادي الفكر المغربي :: Forum Tawassol :: فكر تنويري-
انتقل الى: